لقد حاولتُ لحدِّ الآن وعلى مدى (١٣) جزء من هذا المقال ان أَتلَّمسَ طريقاً للتّغيير الحقيقي والاصلاح الجذري من خلال التنظير لتغيير قانون الانتخابات الذي أراه المفتاح الحقيقي والدّستوري والقانوني للتّغيير المرجو.
وقبل ان أَنتقلَ في الحديثِ عن قانون الاحزاب والمفوضيّة المستقلّة للانتخابات والاحصاء السكّاني العام، أودّ ان أُناقش سؤالاً طالما يتردّد مع كلِّ جزءٍ من هذا المقال، والسُّؤال هُوَ؛
على فرض انّ الأفكار صحيحة والمُقترحات سليمة، فمَن الذي يُنجز مثل هذا التغيير على قانون الانتخابات؟! خاصةً وانّهُ لا يتحقّق الا من خلالِ مجلس النُّوّاب! وكُلُّنا نعرف حجم فسادهِ وفشلهِ وضعفهِ واستحالةِ ان يُبادر لتغيير القانون الذي فصَّلتهُ [العصابةُ الحاكمةِ] على مقاساتِها حصراً! لتُسيطر على كلّ مفاصل وتفاصيل وجُزئيّات السُّلطة، فليس من المعقولِ ابداً انّها ستُبادِر من تلقاءِ نفسِها لتغيِّر قانون الانتخابات لتخسر السُّلطة وامتيازاتها التي استحوذت عليها منذ التّغيير قبل (١٣) عامٍ ولحدِّ الآن؟!.
قبل الجواب، أوَدُّ ان أُبيّن الملاحظات المهمّة التّالية؛
أَلف؛ ما عرضتهُ في هذه الأجزاء هي أفكارٌ ومقترحاتٌ ورُؤى تصبُّ كلّها في المحاولات الرّامية الى تغيير قانون الانتخابات، لم تأخذ بنظرِ الاعتبار مصلحة أحدٍ الا مصلحة الوطن والمواطن، متمنّياً على المعنيّين خصوصاً وعلى كلّ مواطن ان يُناقشها في أُطرها الدستوريّة والقانونيّة والواقعيّة بما ينسجم والمصلحة العُليا للبلاد بعيداً عن الحزبيّة الضيّقة او الطّائفية بكلِّ أَشكالِها أَو المصالح الخاصّة والأنانيّات!.
أَتمنّى ان يُساهم أَكبر عددٍ من المتابعين في بلورة الأفكار وإنضاجها أَكثر فاكثر للوصول الى صيغةِ تغييرٍ مقبولة يتبنّاها أَكبرُ عددٍ من النّاخبين.
باء؛ كما تروَن فإنَّني فصَّلتُ في كلِّ شَيْءٍ يرتبطُ بالتّغيير المرجو في قانون الانتخابات، فلم أَدعُ شاردةً أَو واردةً الا ناقشتها رُبما بالتّفصيل المُمِلّ! وبلورتُ رؤيةً عنها.
كما ناقشتُ الاشكالات والملاحظات الواردة على كلّ فكرةٍ ورأيٍ ومُقترح، وكلّ ذلك في مسعىً منّي لاقناعِ المتلقّي بالفكرةِ، ومع ذلك فلازالتُ أَتمنّى ان يكونَ للمتلقّي رأيٌ في إنضاج الفكرة أَكثر فأَكثر.
جيم؛ المُتلقّون على أَنواعٍ؛
الأَوّل؛ هو الذي لا يعرف الا تكرارِ عبارةِ [مَيفيد] على لسانهِ، وهي أَسهل عبارة يتذكّرها الانسان اذا أرادَ ان يهرَب من تحمُّل المسؤوليّة!.
وعادة ما يحمل صاحب هذه العبارة في جعبتهِ ملايين الاعذار والحِجج لتسويقِ موقفهِ!.
إِنَّهُمْ اليائِسون والفاشِلون والاتّكاليّون!.
الثّاني؛ هو الذي يُخفّف من عبارة [مَيفيد] إِمّا مجاملةً او خجلاً او ما أشبه فيقولُ [الفكرةُ رائعةٌ ولكنّها لا تتحقَّق] طبعاً قبل ان يُناقش او يُجرِّب او يُحاول او يُفكّر، وهذهِ هي الأُخرى طريقةٌ جميلةٌ وحلوةٌ ومؤدَّبةٌ ومهذَّبةٌ للهربِ من المسؤوليّة!.
واذا أرادَ ان يُزاحِم نَفْسَهُ قليلاً ويبدو مُهتمّاً أكثر، تساءلَ [ومَن الذي يا تُرى سيُنفِّذ الفِكرة؟] ليقطع الطّريق على صاحبها منذُ البداية! فلا يضعهُ في الحسبانِ فلا يطلبَ مِنْهُ عَوناً أو مُساعدةً وكأنَّ الامرَ لا يعنيهِ لا من قريبٍ ولا من بعيدٍ!.
والغريب في الأمرِ انّ بعضهُم من أَشدِّ المنتقدين للوضع والواقع! وربما من اكثر المتضرّرينَ منهُ، الا انّهم على غيرِ استعدادٍ لفعلِ شَيْءٍ من أَجْلِ إنجاز التغيير والاصلاح!.
ليتهُ يمتلك رؤيةً لمثلِ هذا الانجازِ على الأقل لكُنّا ناقشناها ووقفنا معهُ اذا كانت تستحقّ مثل ذلك! الا انّ الامر ليس كذلك، فلا هو يمتلك شيئاً منها ولا هو مُستعِدٌ للعملِ على غيرها!.
الثّالث؛ هُو الذي يُناقش الفكرة فاذا اقتنع بها يتبنّاها واذا تبنّاها عملَ على إنجازِها كلٌّ حسب قدرتهِ ومدى تاثيرهِ في المجتمع، وهو الطّريق الصّحيح والاسلوب السّليم للتّعامل مع أَيّة فكرةٍ معروضةٍ، وهذا ما لمستهُ في بلادِ الغربِ وفي البلدان المتقدمّة والمتطوّرة، فعندما يُقدّم احدٌ فكرةً وفي ايِّ مجالٍ او مستوى من المستويات يُناقشها الآخرون فاذا اقتنعوا بها وتبنَّوها حوّلوا مُلكيّة الفكرة من الفرد الى الجماعةِ ثمَّ تحوّلوا الى فريقِ عمَلٍ فيبذلوا كلّ جهدهِم من أَجْلِ إنجازِها بِلا فلسفةٍ او تنظيرٍ زائدٍ! ولذلك تنجح وتتقدَّم البلاد.
امّا عندنا فالمتلقّين، عادةً، يهتمّون كثيراً بصاحبِ الفكرةِ أَكثر من إِهتمامهم بالفكرةِ نفسها فينشغِلون بالبحثِ في أصلهِ وفصلهِ وخلفيَّتهِ وتوجُّهاتهِ وولاءاتهِ وماذا يأكُل وماذا يشرَب وما هي الرّياضة المفضَّلة عِنْدَهُ ومن هو الممثّل الذي يتابع اقلامهُ او مسلسلاتهُ! وكذلك بارتباطاتهِ ومصادر تمويلهِ! فبينما يعرفون كلّ ذلك، وهو بحثٌ تطولُ مدَّتهُ، تكون الفكرة قد طارت من أَساسِها او مرَّ وقتها وضاعت بالقيل والقال وكثرة السّؤال! ولذلك لم تَر فكرةً عندنا النُّورُ مهما كانت عظيمةً! ولهذا السّبب نحن متخلِّفونَ دائماً وفي تراجُعٍ مستمرٍّ للأَسف الشّديد! وانَّ تضييع الأفكار أَسهلُ عندنا من شربِ الماءِ! وأَسرعُ من قبض الرُّوح!.
*يتبع
مقالات اخرى للكاتب